تعدّ لعبة “الخربقة” من أكثر اللعب الشعبية انتشارًا لدى كبار السن في تونس، الذين توارثوها بدورهم عن الأجداد و لعبة الخربقة تتمثل في رسم 49 خانة أي حفرة صغيرة في كثيب رمل متوسط العلو وتشبه في طريقة رسمها لعبة الشطرنج.
“قعدنا مكابي كل واحد فينا خايف على جروه في الخربقة يدادي
يريد النجا من خصمه يفادي في غلبته، وشمتت العويل والوليه واللي محاذي
الله واعلم ياخوي سالم إني مغلوب غير خايف انقول وجاحدها من العنادي”…
هو شعر شعبي يردّده بعض هواة لعبة “الخربقة” في تونس، وهو يوحي للخوف والخجل من الغلبة. تلك اللعبة التي اشتهرت بها أغلب المناطق التونسية، لاسيما في الشمال الغربي والجنوب. ولم تندثر حتى وإن رحل بعض هواتها عن تلك المناطق ليلعبوها أينما حلّوا.
في حديقة عمومية وسط منطقة سيدي حسين، تشهد وأنت مار من هناك حلقات صغيرة لشيوخ وقد اجتمعوا حول حصاهم الصغيرة يلعبون لعبة “الخربقة”. تلك اللّعبة الشعبية التقليدية التي تشتهر بها أغلب الجهات التونسية وتشترك فيها مع باقي بلدان المغرب العربي لا سيما الجزائر وليبيا.
قبل أن يحرّك أحدهم أي حصاة يحسب ألف حساب لكلّ حركة قد يقوم به. وتقاطع في كل مرّة لحظات صمتهم في التفكير، هتافات المشجعين لتحفيز أحدهم على تحريك إحدى حصاته دون خوف. مع صعوبة تبادل الحديث مع المتبارين مخافة أن يفقدوا تركيزهم.
يقول فرج مرفقي (71 سنة) إنّه يلعب تلك اللعبة منذ عشر سنوات عندما كان بمنطقة الكاف. وحتى عند انتقاله إلى العاصمة مع ابنه الكبير، بات يلعبها مع بعض جيرانه من كبار السن ممن يتقنون فنون تلك اللعبة. يضيف ضاحكًا “من حسن حظي أنّني وجدت من يعرف الخربقة هنا”. ويقضي يوميًا أكثر من الساعتين في لعب تلك اللعبة التي تسلّيهم وتسرق من وقت فراغهم لحظات لهو. ويحبون تلك المنافسة التي لا ربح لهم فيها سوى بعض المرح.
وتعدّ لعبة “الخربقة” من أكثر اللعب الشعبية انتشارًا لدى كبار السن الذين توارثوها بدورهم عن الأجداد. وتجمع أساسًا بين لاعبين اثنين. لكن لا تخلو لعبتهم من المشاهدين القادمين لمتابعة المباراة والمشاركة في اللعبة بعد خسارة أحد المتباريين.
وتتمثل اللعبة أساسًا في رسم 49 خانة أي حفرة صغيرة في كثيب رمل متوسط العلو بعد تشكيله بأنفسهم. وتشبه في طريقة رسمها لعبة الشطرنج، متكونة من 7 أسطر على 7 أسطر. وتتوسطها حفرة تعتبر مركز اللعبة. وتجمع لاعبين لكلّ منهم 24 كلبًا. والكلب في حقيقة الأمر في هذه اللعبة هو حجارة ذات لونين مختلفين أو حتى أشياء أخرى غير الحجارة كنواة التمر أو حبات الزيتون أو قوقعة الحلزون شرط أن يكون لكل لاعب لون مختلف عن الآخر.
طريقة اللعب تتم أولًا عبر ملئ تلك الحفر بحجارة كلا اللاعبين التي يسمونها “كلابًا”. حتى تعمر كافة تلك الخانات جميعًا. ثم يبدأ كل من اللاعبين في تحريك كلابه واحدًا بعد الآخر، وكل كلب يقع بين كلبين للخصم يصبح ميتًا. وكلّما تمكن أحد اللاعبين من محاصرة قطعة أو أكثر من قطع منافسه يخرجها من الرقعة. ويقال له “كلبك مات” أو “جروك مات”. ويكون الفوز للاعب الذي يتبقى له أكثر عدد من القطع. لينسحب اللاعب الذي لم يبق له إلا قطعًا قليلة يلعب بها.
تبدو اللّعبة بسيطة لدى البعض، ولكنّها تعتمد أساسًا على الموهبة والذكاء وسرعة البديهة في اصطياد حجارة الخصم. وقد تستغرق المباراة الواحدة ساعة كاملة. إذ يقضي كل واحد منهم وقتًا كبيرًا للتفكير قبل تحريك أي حصاة.
لا يعرف علي بالشيخ (68 سنة) تاريخ تلك اللعبة، ولكن يقول لـ”الترا تونس” إنّها تسلي أغلب كبار السن ممن أحيلوا على التقاعد وباتوا دون عمل. يجدون فيها بعض المرح. وكثيرًا ما تجد لاعبيها أمام الدكاكين أو في الحدائق أو في المناطق البعيدة عن الضجيج. تعوض الفراغ في حياتهم، وتقضي على شعورهم بالملل والروتين. لاسيما مع غياب أماكن ترفيه خاصة بكبار السن في الأحياء الشعبية وفي أغلب المناطق الداخلية بالبلاد.
ويقول علي إنّها “لعبة ليست للقمار أو الرهان على شيء ما. ولكنّها لعبة كأي لعبة أخرى يتسلى بها كبار السن. لأنّها لا تتطلب مجهودًا بدنيًا متعبًا. بل تعتمد أساسًا على التركيز والذكاء والمرح في غلبة الخصم”.
وإذ تقام في المهرجانات الصحراوية بعض المنافسات والألعاب الشعبية على غرار التباري بالأشعار ولعبة شد الحبل أو حتى المصارعة بالسيف. فإنّ للعبة “الخربقة” حضورها أيضًا في بعض تلك المهرجانات لاسيما في كل من مهرجان دوز ومهرجانات قبلي وتطاوين. فتلاحظ خلال تلك التظاهرات تجمع عشرات الأطفال والشباب حول حلقات مكونة من شيوخ تلك القرى للتنافس فيما بينهم وتبادل الأدوار في حال خسارة أحدهم.