تُعتبر عوشة السويدي من رواد الشعر النبطي الإماراتي في القرن العشرين، ويمكن القول إنها ساهمت بشكلٍ كبير في تمهيد الطريق أمام نساء العالم العربي، للتحليق عالياً في مجال كتابة الشعر.
اعتزلت الشعر في أواخر التسعينيات وخصّصت كتاباتها لمدح الرسول، قبل أن تموت في يوليو/تموز 2018 في دبي عن عمرٍ يناهز 98 عاماً، تاركةً لنا إرثاً من الشعر الذي حاكته جيداً لتصميم الصبر وتطريز الألم.
في مثل هذا اليوم (28 نوفمبر/تشرين الثاني) من العام 2011، تم الاعتراف بإسهامات عوشة بنت خليفة السويدي -الملقَّبة بـ”فتاة العرب”- في الأدب ضمن حدثٍ مرموق. وقد أنشأ المجتمع الشعري جائزةً سنوية للشاعرات الإماراتيات باسم “عوشة السويدي”، بعدما حصلت عام 2009 على جائزة أبوظبي في دورتها الخامسة، تقديراً لجهودها ومشوارها.
تعالوا نتعرف أكثر إلى هذه الشاعرة، التي يحتفل بها محرّك البحث “جوجل” اليوم، وخصّها بشعارٍ مبتكر لوجهها وهي ترتدي القناع الذهبي التقليدي في الإمارات؛ فتصدرت تريند البحث العربي.
بين الإمارات وقطر عاشت “فتاة العرب”
وُلدت عوشة السويدي في الأول من يناير/كانون الثاني 1920 في منطقة المويجعي بإمارة العين، وقد تربت في بيت أدبٍ وعلم تتصدره المجالس الثقافية التي لا تخلو من الشعر والدروس الدينية.
والدها كان بدوره شاعراً مجيداً كما تذكر صحيفة “الخليج”، كما أن جدّها (لوالدتها) أحمد بن خلف العتيبة هو تاجر لؤلؤ معروف وشاعر، فحاصر عوشة الشعر منذ طفولتها.
لعب أهل عوشة السويدي دوراً أساسياً في تشجيعها وصقل موهبتها، فكتبت الشعر وهي بعد لم تتجاوز الثانية عشرة، فنظمت 100 قصيدة موزونة خلال شهر تقريباً. وفي سن الخامسة عشرة، اكتسبت اعترافاً وطنياً بقصائدها الشعرية.
تناولت قصائدها موضوعات، مثل: الحب، والحنين، والوطنية؛ وتصف القصائد التي كتبتها باللغة النبطية تجاربها الشخصية في دولة الإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن ماضيها وثقافتها.
ألّفت عوشة السويدي العديد من القصائد في مختلف مجالات الشعر، مثل: الغزل، والنقد الاجتماعي، والمديح، والإسلاميات؛ وقد حضرت مجالس كبار الشعراء، كما نشرت قصائدها في مختلف الصحف والمجلات.
لها دواوين مسموعة جُمعت في ديوانٍ سُمّي بـ”ديوان فتاة العرب” وصدرت طبعته الأولى عام 1990، ثم أُلحق بطبعةٍ ثانية عام 2000، وهو من جمع وتقديم الشاعر الراحل حمد بن خليفة بو شهاب.
أدى نجاح عوشة السويدي في نوعٍ أدبي، يُهيمن عليه الذكور، إلى فتح الباب أمام جيلٍ كامل من الشاعرات. ومن هنا، تُعتبر عوشة من رواد الشعر النبطي في الإمارات والمنطقة العربية، وقد سجّلت تجربتها الشعرية علامةً بارزة ومهمة في مسيرة الشعر النبطي.
حاكم دبي يمنحها لقب “فتاة العرب”
عاشت عويشة السويدي معظم حياتها في إمارة العين الإماراتية، وبينما أمضت 15 عاماً في قطر، عادت إلى العين مرة أخرى، ومن ثم انتقلت للعيش في دبي أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
استحوذت السويدي خلال مسيرتها الشعرية على نجاحٍ استثنائي، وأن تحصد شاعرة إماراتية كل هذا المديح من شعراء ومبدعين وقادة وحكام إماراتيين وعرب، إضافةً إلى تكريمها في مناسبات عدة، فهذا هو شأن الإبداع الذي يفرض شروطه على الآخرين.
في مقالٍ عنها نُشر في جريدة “الاتحاد” عام 2020، كتب الشاعر الإماراتي إبراهيم الملا عن عوشة السويدي قائلاً: “إنها فتاة العرب التي أضفت على الشعر النبطي في الإمارات حلاوة وطلاوة ورقّة ونداوة، كما لم يفعل أحد مثلها من قبل، وجعلت من هذا الشعر موئلاً للنفوس الحائرة، وملجأ للقلوب النازفة، وبيتاً يرنّ فيه صدى الأيام ورجع الذاكرة وجرح الغياب”.
وتابع يقول: “اختارت عوشة أن تكون استثنائية منذ البداية، وأن تهندس الشعر بلمستها الحانية، وعاطفتها المانحة، وذاتها الأنثوية المجبولة على حياكة الصبر، وتريبة الفقد؛ لذلك، كان ميراث الشعر الذي أودعته عوشة في مداركنا وأشواقنا هو الميراث الذي لا يبلى ولا يفنى؛ لأنه قرين شغف لا يخفت، وبصيرة لا تبهت، وكرمٍ لا ينقطع، وجمال لا ينفد”.
أما قصة تسميتها بـ”فتاة العرب”، فهو اللقب الذي أطلقه عليها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في العام 1989، عندما قلّدها وسام إمارة الشعر في عالم الشعر الشعبي، بعدما كانت توقع قصائدها باسم “فتاة الخليج”.
ولقصة لقب “فتاة العرب” حكاية، فقد أهداها حاكم دبي ديوانه، مع إهداءٍ يقول فيه:
“أرسلتُ لك ديوان يا عالي الشان ديوان فيه من المثايل سددها
يحتوي على الأمثال من كل من ازن من كل در في عقوده نضدها
فتاة العرب وانتو لها خير عنوان ومن غيركم بأقصد معاني نشدها”